موت الفجأة ... هل خطر على بالك
الحمد لله تفرد بالبقاء ، والعظمة والكبرياء ، وسع خلقه رحمة وحلما ، وأحاطهم معرفة وعلما ، وأشهد ألا إله إلا الله ، كاشف الكرب ، ومزيل الهم ، ومثبت الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة بالقول الثابت ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أنذر وبشر ، ونصح وجاهد ، حتى ترك أمته على البيضاء .. ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا .
( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).
كم يسعى الإنسان و يجاهد في هذه الحياة الدنيا ، قد ملأ قلبه بالطموحات ، و غره طول الأمل ، و غفل عن كثرة العلل ، فانطلق كالسهم يركض خلف مبتغاه ، يعرق ليجمع ، ويجمع لينفق أو ليبخل ، قد أطغاه حب الجاه ، و أرهقه التطلع للمنصب ، و أشغله هم الأولاد ، و قصم ظهره اللهث وراء الأموال ، فيفلح حينًا ،
و يعثر حينًا آخر ، و ينهض مرة أخرى لا يبالي بتعب ، و لا يفكر في جهد ، فقط أن يصل ما وصل غيره بل يزيد على ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، و من أصدق من الله قيلا :
( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) .
يالله كم للدنيا من فتن مغرية تأخذ بلب المرء و قلبه ، و تهد من جسده و قوته ، يظن أنه سيبلغ غايته ،
و ينال مبتغاه ، و في لحظة من اللحظات لم يحسب لها حسابًا ، و قد انغمس في عمله ، يدقق حساباته الدنيوية غافلاً عن حساب الآخرة الشديد ، او في لحظة من اللحظات و هو في غمرة السعادة بين أهله و ذويه ، أو بين أصحابه و أحبابه ، او في لحظة من اللحظات وهو يعيش نشوة الأموال ، و كثرة الأولاد ،
و استقرار الصحة و الجسد ، في تلك اللحظة التي يبصر بها من حوله ، و يسمع من يحدثه ، و يحدث من يسمعه ، و يحرك فيها جسده ، لا مرضًا يشكو ، و لا علة يعالج ، و لا طبيبًا يزور ، قوة في جسمه تركب فوق قوة ، و نشاطًا في عقله تختصم فيه الأفكار بالأفكار ، لحظة رهيبة ، و مفاجأة غريبة ، فيها توقف كل شيء فجأه ، ماذا جرى للجسم الصحيح ، ماذا حصل للعقل المدبر ، ماذا وقع لصاحب الأموال و المنصب و الجاه ، ما هذه الصفرة التي سرت في جسده ، أين سافرت نضرة هذا الجسم المترف ،
عجبًا أرى : عينين كانتا جميلتان بالبصر ، مالهما قد زاغتا لا لفت أو نظر ، قم يا رجل ، انهض ، فوراءك حياة مليئة بالعمل ، أتترك أعمالك ، أموالك ، جاهك و منصبك ،،، تحرك !! لقد ارتخى اللسان السليط ، وخفت الصوت الصارخ ، فلا حس أو خبر .
حينها تنادى الأحباب ، و تعالت الأصوات : أحضروا الطبيب ، حركوا الأموال ، اتصلوا بأصدقاء الجاه والمراتب العالية ، أخبروهم بالمفاجأة ، علهم يجدوا الخلاص ، و النجاة من المصيبة .
لقد انتهى كل شيء ، وجاء الوعد الحق ، لتنسل به الروح من الجسد ، وتقلع منه حثيثا
، ومن أصدق الله حديثا : يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ .
يالها من مفاجأة يباغت فيها الإنسان ، فيأخذ على غرة ، تعددت أسبابها ، و تلونت أشكالها ، و اختلفت أعمارها ، و تنقلت أوقاتها ، لا تميز بين الطفل و الشاب و الشيخ ، كل له أجله المكتوب ، و عمره المحسوب ، عند رب رحيم حليم .
غير أنها الغفلة التي تقتل القلوب عن هذه الساعة المملوءة بالفاجعة ، المقرونة بالبكاء و الصراخ ، الممزوجة بالدموع ، المتلونة بالحسرة و اللوعة ، على من .. علي أنا وأنت وكل مولود كبير أو صغير .
يا غافلاً عن ساعة مقرونة بنوادب وصوارخ وثواكل
قدِّم لنفسك قبل موتك صالحًا فالموت أسرع من نزول الهاطل
حتّام سمعُك لا يعي لمذكر وصميم قلبك لا يلين لعاذل
تبغي من الدنيا الكثيرَ وإنما يكفيك من دنياك زاد الراحل
آي الكتاب تهزُّ سمعك دائمًا وتصم عنها معرضًا كالغافل
كم للإله عليك من نعم ترى ومواهب وفوائد وفواضل
كم قد أنالك من موانح طوله فاسأله عفوًا فهو غوث السائل
اعلموا رعاكم الله أن من علامات الساعة الصغرى كثرة موت الفجأة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة ) ، رواه الطبراني وحسنه الألباني .
وإن المتابع لأخبار الزمان اليوم ليجد عجبًا عجابًا من كثرة ما يقع من موت الفجأة ، وهو ما يسمى اليوم بالسكتة القلبية ، ومع هذه الكثرة إلا أن جملة منا في غفلة ، وكأن ما أتى غيرنا لا يأتينا ولا يقرب من دارنا .
عجبًا لنا : كيف نجرأ على الله فنرتكب معاصيه ، و أوراحنا بيده ، و كيف نستغفل رقابته ، و الموت بأمره يأتي فجأة ، أما سأل أحدنا نفسه : لماذا لا يستطيع أحد أن يعلم متى سيموت ؟! إنها حكمة بالغة ، ليبقى المؤمن طوال حياته مترقبًا وداع الدنيا ، مستعدًا للقاء ربه .
روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال : (( من أنت ؟ فقال ملك الموت : أنا من لا يهاب الملوك ، ولا تمنع منه القصور ، ولا يقبل الرشوة ، قال : فإذًا أنت ملك الموت ، قال : نعم ، قال : أتيتني ولم أستعد بعد ! قال : يا داود أين فلان قريبك ؟ أين فلان جارك ؟ قال : مات ، قال : أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد ؟!
يا حسرتنا ـ يا عباد الله ـ على غفلة قد طمت ، و مهلة قد ذهبت ، أضعناها في المغريات ، و قتلناها بالشهوات ، و أهدرناها في التفاهات ، نسير كأن أحدنا سيعمر ألف سنة ، و نغفل كأن بيننا و بين الموت ميعاد مؤجل ، كم قريب دفنا ، و كم حبيب ودعنا ، نفضة غبار القبور من أيدينا أنستنا هول ما رأوا ،
و عظم ما شاهدوا ، و عدنا من دور اللحود و عادت معنا الدنيا ، لنغرق في ملذاتها ، أين العيون الباكية من خشية الله ، أين القلوب الوجلة من لقاء الله ، ألا نعود أنفسنا على توديع هذه الدنيا كل يوم ، فنحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبها الله ، ألا نعزم على مضاعفة الأعمال الصالحة من صلاة و استغفار و ذكر و بر و صلة ، ألا نفكر بجدية مقرونة بعمل أن نقلع من معاصينا ، ونتوب من تقصيرنا في حق الله تعالى،ألا نجعل ساعة الموت هذه واعظًا لنا في هذه الدنيا الفانية من الغفلة عن الله تعالى ؟
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ . اللهم ارحم ضعفنا ، و آنس وحشتنا ، و ذكرنا بك ما حيينا ، و اللهم التوبة النصوح قبل الممات يا رب العالمين ،
استغفروا الله و توبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين